بسم الله الرحمان الرحيم


بقدر عمق و صلابة الأساس يكون طول و دوام البناء. إذا قرأت مثلا وثيقة حول عمل أحدث بخاخ ديزل تم تصنيعه، فربما يمكنك فهمه بالقدر الذي سيسمح لك بتشخيصه إن كان سببا في عطب ما، لكن لو قرأت نفس الوثيقة و أنت ملم بما يحدث في اسطوانة الديزل منذ أكثر من مائة سنة، فتأكد بأنك ستشخص نفس العطب في وقت أقل، و تقوم بإصلاحه بفاعلية أكثر لدرجة تصل إلى الإبداع و الذي يكون فقط عند الوصول إلى مرحلة التمكن التام من عمل ما، نعم يمكن الحديث عن الإبداع في الميكانيك الذي يتميز به قلة قليلة من بين شعوب الميكانيك، أولئك الذين يحبهم أهل الأرض و أهل السماء، و أرجو أن تكون منهم.
اضغط على الصورة لعرض أكبر.*  الإسم:	redolf diesel.jpg* مشاهدات:	0* الحجم:	12.6 KB* الهوية:	1772
​رودلف ديزل 1858-1913

قبل فهم و تحليل أحدث تكنولوجيات الديزل، لنعد إلى تاريخ هذا المحرك الجبار لتأسيس بناء الديزل في أذهاننا بإذن الله على أسس صلبة.

رودلف كريستيان كارل ديزل، هو الإنسان الذي كان وراء كل هذا الحديث عندما ابتكر سنة 1897 المحرّك الذي حقق ثورة صناعية و اقتصادية آنذاك بتحقيق أرقام قياسية بمردوديته العالية: وقود أرخص، استهلاك أقل و عزم دوران أقوى من كل ما سبق. المحرك يعرف الآن بلقب أجداده البافاريون: محرّك الدّيزل.

تحدثت عن أجداد رودلف ديزل لأن دورهم كان حاسما في وجود ما يعرف اليوم بمحركات الديزل في البر و البحر و الجو، داخل المصانع و المستشفيات، و في كل مكان نحتاج فيه إلى مصدر طاقة جاهزة دوما و لا تخيب آمالنا. كيف ذلك؟ بكل بساطة آل ديزل كانوا سلالة آدمية تقدس الاجتهاد في العمل و الاعتماد على الذات، حيث تخصصوا منذ أجيال في صناعة الكتب و الورق و الجلود و التجارة فيها. و هذا كان له تأثير بلا شك في تربية إيليز و تيودور ديزل لإبنهم النابغة في الشقة الباريسية، حيث صرّح لهم في سن مبكرة من طفولته في القرن التاسع عشر بأنه قرر أن يكون مهندسا في الميكانيك.





اضغط على الصورة لعرض أكبر.*  الإسم:	theodor and eliza diesel.jpg* مشاهدات:	0* الحجم:	19.5 KB* الهوية:	1773
​تيودور و إيليزا ديزل، والدا رودلف ديزل



تيودور ديزل كان يعمل من الفجر إلى المغرب في المحل أسفل البناية لستة أيام في الأسبوع، كان منظبطا في العمل لكن كان مديرا سيئا للأموال مثل إبنه في ما بعد، سمات كانت ربما سببا للحياة المجيدة و النهاية التراجيدية التي عاشها رودلف ديزل في آخر أيامه. لكن قبل ذلك لنعد إلى السياق التاريخي و لشخصية رودلف ديزل لنفهم المسببات التي ولّدت فكرة محرّك الديزل بالمواصفات التي نعرفها اليوم.

كان الطفل رودلف يقضي غالب أوقات فراغه في ورشات المعهد الوطني للفنون و الحرف في باريس حيث ولد و عاش طفولته، طبيعته الفضولية كادت تتسبب في قتله عندما تلاعب يوما
اضغط على الصورة لعرض أكبر.*  الإسم:	redolf diesel young.jpg* مشاهدات:	0* الحجم:	10.8 KB* الهوية:	1777
الطفل النابغة رودلف ديزل
بأنظمة الغاز في بنايتهم، لكن في ظل التربية الصارمة كان رودلف يقضي كثيرا من وقته عندما يكون في البيت في الرسم مما كشف عن جانب فني في شخصيته ليس بأقل من الجانب التقني، و كان منذ صغره يتقن ثلاث لغات و هذا مهم، فالمبدع في الميكانيك هو فنان و مثقف قبل أن يكون عاملا يدويا.

في ظروف الحرب بين فرنسا و ألمانيا، طردت العائلة من فرنسا لتلجأ إلى بريطانيا، لم يلبث الطفل رودلف إلا أن وجد ضالته في متحف كينغستون للعلوم و التقنيات حيث يقضي غالب أوقات فراغه. بعد اقتراح من الخالة تم إرسال الطفل رودلف لمواصلة تعليمه في أرض أجداده بافاريا في مدينة أوغسبورغ التي يرجع إليها أصل عائلته و المجاورة لميونيخ، درس هناك في مدرسة تكوين مهني صناعي لمدة ثلاث سنوات تكوينا أساسيا في الصناعات و الكيمياء و الفنون ثم واصل بعد ذلك دراسته في معهد للعلوم الهندسية حيث كان أصغر متخرج من المعهد بأفضل المعدلات مما سمح له بمواصلة الدراسة بالمعهد الملكي للتقنيات في ميونيخ رغم معارضة والديه، حيث كانا يرجوان منه أن يعول على نفسه و يبدأ في تحقيق استقلاليته المادية.

لم يتمكن رودلف من آداء الامتحانات النهائية بسبب مرضه حيث كان الوباء و الفقر يحيط به من كل جانب، في انتظار أداء الامتحانات العام المقبل ذهب إلى سويسرا لكسب خبرة في مصنع للمحركات البخارية و التبريد كمتدرب مبتدئ. هناك تولدت لديه قناعة بأنه يمكن أن تكون هذه المحركات أفضل حيث كانت تهدر 90 بالمائة من طاقتها إضافة إلى التكلفة الكبيرة في استعمالها.

نذكر أن محركات الديزل لها معدل مردودية ب50 بالمائة تقريبا و هي الأفضل مردودية من بين كل المحركات الحرارية المستعملة في مختلف العربات في ذلك الوقت و إلى الآن.

اضغط على الصورة لعرض أكبر.*  الإسم:	sadi carnot.jpg* مشاهدات:	0* الحجم:	8.7 KB* الهوية:	1775
سادي كارنو 1976 - 1832

آنذاك قرأ رودلف كتابا اسمه: "تأملات حول القوة المحرّكة للنار"، من تأليف الفرنسي سادي كارنو Sadi Carnot سنة 1824، هذا المهندس الفرنسي أعلن أول مبدأ في الديناميكا الحرارية وهو أن الطاقة الحرارية والطاقة الميكانيكية قابلتان للتحويل بعضها إلى بعض، لا يتم خلقها من عدم أو تدميرها إلى العدم أبدًا، فقط تتغير في الشكل.

شكلت هذه النظرية المرحلة الفاصلة في تاريخ المحركات منذ أول محرك في التاريخ تم تصنيعه من المهندس العربي الجزري في القرن الثاني عشر حيث كان يعمل بالقوة الهيدروليكية. و كان الجزري أول من صنع نظام التروس أو ما يسمى بالانجليزية Gear و بالفرنسية Engrenage، كما كان أول من صمم نظام المكبس و الاسطوانة و عمود المرفق، و ابتكر كذلك الإنسان الآلي أو ما يعرف بالروبوت و القائمة تطول، حيث يعتبر الجزري أعظم مهندس ميكانيكي في التاريخ.







اضغط على الصورة لعرض أكبر.*  الإسم:	al jazari.jpg* مشاهدات:	0* الحجم:	17.1 KB* الهوية:	1771
الجزري 1136 - 1206 مخترع ما أصبح يعرف بالمحرك

(يتبع...)